فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ونعمة}، بفتح النون: نضارة العيش ولذاذة الحياة.
وقرأ أبو رجاء: {ونعمة}، بالنصب، عطفًا على كم {كانوا فيها فاكهين}.
قرأ الجمهور: بألف، أي طيبي الأنفس وأصحاب فاكهة، كلابن، وتامر، وأبو رجاء، والحسن: بغير ألف.
والفكه يستعمل كثيرًا في المستخف المستهزىء، فكأنهم كانوا مستخفين بشكل النعمة التي كانوا فيها.
وقال الجوهري: فكه الرجل، بالكسر، فهو فكه إذا كان مزاحًا، والفكه أيضًا الأشر.
وقال القشيري: فاكهين: لاهين كذلك.
وقال الزجاج: والمعنى: الأمر كذلك، فيوقف على كذلك؛ والكاف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف؛ وقيل: الكاف في موضع نصب، أي يفعل فعلًا كذلك، لمن يريد إهلاكه.
وقال الكلبي: كذلك أفعل بمن عصاني.
وقال الحوفي: أهلكنا إهلاكًا، وانتقمنا انتقامًا كذلك.
وقال الزمخشري: الكاف منصوبة على معنى: مثل ذلك الآخراج أخرجناهم منها، {وأو رثنا قومًا آخرين} ليسوا منهم، وهم بنوا إسرائيل.
كانوا مستعبدين في يد القبط، فأهلك الله تعالى القبط على أيديهم وأو رثهم ملكهم.
وقال قتادة، وقال الحسن: إن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون، وضعف قول قتادة بأنه لم يروفي مشهور التواريخ أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر في شيء من ذلك الزمان، ولا ملكوها قط؛ إلا أن يريد قتادة أنهم ورثوا نوعها في بلاد الشأم. انتهى.
و لا اعتبار بالتواريخ، فالكذب فيها كثير، وكلام الله صدق.
قال تعالى في سورة الشعراء: {كذلك وأورثناها بني إسرائيل} وقيل: قومًا آخرين ممن ملك مصر بعد القبط من غير بني إسرائيل.
{فما بكت عليهم السماء والأرض}: استعارة لتحقير أمرهم، وأنه لم يتغير عن هلاكهم شيء.
ويقال في التعظيم: بكت عليه السماء والأرض، وبكته الريح، وأظلمت له الشمس.
وقال زيد بن مفرغ:
الريح تبكي شجوه ** والبرق يلمع في غمامه

وقال جرير:
فالشمس طالعة ليست بكاسفة ** تبكي عليك نجوم الليل والقمرا

وقال النابغة:
بكى حادث الجو لأن من فقد ربه ** وحوران منه خاشع متضائل

وقال جرير:
لما أتى الزهو تواضعت ** سور المدينة والجبال الخشع

ويقول في التحقير: مات فلان، فما خشعت الجبال.
ونسبة هذه الأشيئاء لما لا يعقل ولا يصير ذلك منه حقيقة، عبارة عن تأثر الناس له، أو عن عدمه.
وقيل: هو على حذف مضاف، أي: فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الملائكة وأهل الأرض، وهم المؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين.
روي ذلك عن الحسن.
وما روي عن علي، وابن عباس، ومجاهد، وابن جبير: إن المؤمن إذا مات، بكى عليه من الأرض موضع عبادته أربعين صباحًا، وبكى عليه السماء موضع صعود عمله.
قالوا: فلم يكن في قوم فرعون من هذه حاله تمثيل.
{وما كانوا منظرين}: أي مؤخرين عن العذاب لما حان وقت هلاكهم، بل عجل الله لهم ذلك في الدنيا. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{حم والكتاب المبين}.
الكلامُ فيهِ كالذي سلفَ في السورةِ السابقةِ.
{إِنَّا أنزلناه} أي الكتابَ المبينَ الذي هو القرآن.
{فِى لَيْلَةٍ مباركة} هيَ ليلةُ القدرِ، وقيلَ ليلةُ البراءةِ ابتدىءَ فيها إنزالُه، وأُنزلَ فيها جُملةً إلى السماءِ الدُّنيا من اللوحِ وأملاهُ جبريلُ عليهِ السَّلامُ على السَّفرَةِ ثم كانَ ينزله على النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحو ما في ثلاثٍ وعشرينَ سنةً كما مرَّ في سورةِ الفاتحةِ. ووصفها بالبركةِ لَما أنَّ نزول القرآن مستتبعٌ للمنافعِ الدينيةِ والدنيويةِ بأجمعِها أولما فيها من تنزلِ الملائكةِ والرحمةِ وإجابةِ الدعوةِ وقسمِ النعمةِ وفصلِ الأقضيةِ وفضيلةِ العبادةِ وإعطاءِ تمامِ الشفاعةِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيلَ: يزيدُ في هذهِ الليلةِ ماءُ زمزمَ زيادةً ظاهرةً {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} استئنافٌ مبينٌ لما يقتضِي الأنزالَ كأنَّه قيلَ: إنَّا أنزلناهُ لأن من شأنِنا الأنذارَ والتحذيرَ من العقابِ، وقيلَ: جوابٌ للقسمِ وقوله تعالى: {إنَّا أنزلناهُ}. إلخ. اعتراضٌ وقيلَ: جوابٌ ثانٍ بغيرِ عاطفٍ.
{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} استئنافٌ كما قبلَهُ فإنَّ كونَها مفْرَقَ الأمورِ المحكمةِ أو الملتبسةِ بالحكمةِ الموافقةِ لها يستدعِي أنْ ينزلَ فيها القرآن الذي هو من عظائِمها، وقيلَ: صفةٌ أُخرى لليلةِ وما بينَهُما اعتراضٌ وهذا يدلُّ على أنَّها ليلةُ القدرِ ومَعْنى يُفرقُ أنه يكتبُ ويفصلُ كلُّ أمرٍ حكيمٍ من أرزاقِ العبادِ وآجالهم وجميعُ أمورِهم من هذِه الليلةِ إلى الآخرى من السنةِ القابلةِ، وقيلَ: يبدأُ في استنساخِ ذلك من اللوحِ في ليلةِ البراءةِ ويقعُ الفراغُ في ليلةِ القدرِ فتدفعُ نسخةُ الأرزاقِ إلى ميكائيلَ ونسخةُ الحروبِ إلى جبريلَ وكذا الزلازلُ والخسفُ والصواعقُ، ونسخةُ الأعمالِ إلى إسماعيلَ صاحبِ سماءِ الدُّنيا وهو مَلكٌ عظيمٌ ونسخةُ المصائبِ إلى مَلكِ الموتِ عليهم السَّلامُ.
وقُرِىءَ {يُفرَّقُ} بالتشديدِ، وقرئ {يَفرُقُ} على البناءِ للفاعلِ أي يفرقُ الله تعالى كلَّ أمرٍ حكيمٍ، وقرئ {نَفْرُقُ} بنونِ العظمةِ.
{أَمْرًا مّنْ عِنْدِنَا} نصبَ على الاختصاصِ أيْ أعنِي بهذا الأمرِ أمرًا حاصلًا من عندِنا على مُقتضَى حكمتِنا وهو بيانٌ لفخامتِه الإضافيةِ بعدَ بيانِ فخامتِه الذاتيةِ ويجوزُ كونُه حالًا من كلِّ أمرٍ لتخصصِه بالوصفِ أو من ضميرِه في حكيمٍ وقد جُوِّزَ أنْ يرادَ به مقابلَ النهي ويجعلَ مصدرًا مؤكدًا ليُفرَقُ لاتحادِ الأمرِ والفرقانِ في المَعْنى، أولفعلِه المضمرِ لما أنَّ الفرقَ بهِ، أو حالا من أحدِ ضميرَيْ أنزلناهُ أي امرينَ أو مأمورا بهِ {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} بدل من إنَّا كُنَّا منذرينَ وقيلَ: جوابٌ ثالثٌ وقيل: مسأنفٌ، وقوله تعالى: {رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} غايةٌ للإرسال متأخرةٌ عنه على أنَّ المرادَ بها الرحمةُ الواصلةُ إلى العبادِ وباعثٌ متقدمٌ عليه على أنَّ المرادَ مبدؤُها أي إنَّا أنزلَنا القرآن لأن من عادتِنا إرسال الرسلِ بالكتبِ إلى العبادِ لأجلِ إفاضةِ رحمتِنا عليهم أولاقتضاءِ رحمتِنا السابقةِ إرسالهم، ووضعُ الربِّ موضعَ الضميرِ للإيذانِ بأنَّ ذلكَ من أحكامِ الربوبيةِ ومقتضياتِها، وإضافتُه إلى ضميرهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لتشريفهِ أوتعليلٌ ليُفرقُ أولقوله تعالى: {أمرًا} على أنَّ قوله تعالى: {رحمةً} مفعول للإرسال كَما في قوله تعالى: {وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} أي يفرقُ فيها كلُّ أمرٍ أوتصدرُ الأوامرُ من عندِنا لأن من عادتِنا إرسال رحمتِنا. ولا ريبَ في أنَّ كلًا من قسمةِ الأرزاقِ وغيرِها والأوامرِ الصادرةِ منه تعالى من بابِ الرحمةِ فإن الغايةَ لتكليفِ العبادِ تعريضُهم للمنافعِ. وقرئ {رحمةٌ} بالرفعِ، أي تلكَ رحمةٌ.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ هو السميع العليم} تحقيقٌ لربوبيتِه تعالى وأنَّها لا تحِقُّ إلا لمَنْ هذهِ نعوتُه.
{رَبّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} بدل من {ربِّك} أو بيان أو نعت، وقرئ بالرفعِ على أنَّه خبرٌ آخر أواستئنافٌ على إضمارِ مبتدأٍ {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} أي إنْ كنتُم من أهلِ الإيقانِ في العلومِ أوإنْ كنتُم موقنينَ في إقراركم بأنَّه تعالى ربُّ السمواتِ والأرضِ وما بينَهُما إذَا سئلتُم مَنْ خلَقها فقلتُم الله علمتُم أنَّ الأمرَ كمَا قُلنا أوإنْ كنتُم مريدينَ اليقينَ فاعلمُوا ذلكَ {لاَ إله إِلاَّ هو} جملةٌ مستأنفةٌ مقررةٌ لما قبلَها، وقيلَ: خبرٌ لقوله: {ربِّ السمواتِ} الخ وما بينهما اعتراضٌ {يُحْيىِ وَيُمِيتُ} مستأنفةٌ كما قبلَها وكَذا قوله تعالى: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءآبائكم الأولين} بإضمارِ مبتدأٍ أو بدل من {ربِّ السمواتِ} على قراءة الرفعِ، أو بيان أو نعت له، وقيلَ: فاعلٌ ليميتُ، وفي {يُحيي} ضميرٌ راجعٌ إلى {ربِّ السمواتِ} وقرئ بالجرِّ بدلًا من {ربِّ السمواتِ} عَلى قراءة الجرِّ.
{بْل هُمْ في شَكّ} مما ذُكِرَ من شؤونِه تعالى غيرُ موقنينَ في إقرارهم {يَلْعَبُونَ} لا يقولونَ ما يقولونَ عن جِدَ وإذعانٍ بلْ مخلوطًا بهُزْؤٍ ولعبٍ.
الفاءُ في قوله تعالى: {فارتقب} لترتيبِ الارتقابِ أو الأمرِ به على ما قبلَها فإنَّ كونَهُم في شكَ مما يُوجِبُ ذلكَ حَتْمًا أي فانتظرُ لَهُم {يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} أي يومَ شدَّةٍ ومَجَاعةٍ فإنَّ الجائعَ يَرَى بينَهُ وبينَ السماءِ كهيئةِ الدُّخانِ إما لضعفِ بصرهِ أولأن في عامِ القحطِ يُظلمُ الهواءُ لقلةِ الأمطارِ وكثرةِ الغُبارِ أولأن العربَ تُسمِّي الشرَّ الغالبَ دُخانًا وذلكَ أنَّ قريشًا لمَّا استعصتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعَا عليهم فقال: «اللهَّم اشدُدْ وطأتَكَ على مضرَ واجعلْها عليهم سنينَ كسِنِي يوسفَ» فأخذتْهُم سَنةٌ حتى أكلُوا الجيفَ والعظامَ والعِلْهِزَ وكانَ الرجلُ يَرَى بينَ السماءِ والأرضِ الدُّخانَ وكان يحدثُ الرجلَ ويسمعُ كلامَهُ ولا يراهُ من الدخانِ وذلكَ قوله تعالى: {يَغْشَى الناس} أي يحيطُ بهم {هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي قائلينَ ذلكَ، فمشَى إليه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أَبُو سُفْيَان ونَفَرٌ معَهُ وناشدُوه الله تعالى والرحمَ وواعدُوه إنْ دعَا لهم وكشفَ عنُهم أنْ يُؤمنوا، وذلكَ قوله تعالى: {رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ} وهَذا قول ابنِ عبَّاسِ وابنِ مسعودٍ رضيَ الله عنُهم وبه أخذَ مجاهدٌ ومقاتلٌ وهو اختيارُ الفَرَّاءِ والزَّجَّاجِ، وقيلَ: هو دُخانٌ يأتِي من السماءِ قبلَ يومِ القيامةِ، فيدخلُ في أسماعِ الكفرةِ حتَّى يكونَ رأسُ الواحدِ كالرأسِ الحنيذِ ويعترِي المؤمنَ منه كهيئةِ الزكامِ وتكونُ الأرضُ كُّلها كبيتٍ أُوقدَ فيه ليسَ فيه خصاصٌ. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول الآيات الدُّخانُ ونزول عيسى ابنِ مريمَ ونارٌ تخرجُ من قعرِ عدنِ أبْينَ تسوقُ النَّاسَ إلى المحشرِ، قال حذيفةُ: يا رسول الله وما الدُّخانُ؟ فتَلا الآية، وقال يملأُ ما بينَ المشرقِ والمغربِ يمكثُ أربعينَ يومًا وليلةً أمَّا المؤمنُ فيصيبُه كهيئةِ الزكمةِ وأما الكافرُ فهو كالسكرانِ يخرجُ من مَنْخِريهِ وأذنيهِ ودبُرهِ». والأول هو الذي يستدعيهِ مساقُ النظمِ الكريمِ قطعًا. فإنَّ قوله تعالى: {أنى لَهُمُ الذكرى} إلخ ردٌّ لكلامِهم واستدعائِهم الكشفَ وتكذيبٌ لهم في الوعدِ بالإيمانِ المنبىءِ عن التذكرِ والاتعاظِ بما اعتراهُم من الداهيةِ أي كيفَ يتذكرونَ أو من أين بتذكرون بذلك ويفُون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذابِ عنهم {وَقَدْ جَاءهُمْ رسول مُّبِينٌ} أيْ والحالُ أنَّهم شاهُدوا منْ دَوَاعي التذكرِ وموجباتِ الاتعاظِ ما هو أعظمُ منِهُ في إيجابِها حيثُ جاءَهُم رسول عظيمٌ الشأنِ وبين لهم مناهجَ الحقِّ بإظهار آيات ظاهرةٍ ومعجزاتٍ قاهرةٍ تخِرُّ لها صُمُّ الجبال.
{ثُمَّ تَولواْ عَنْهُ} عن ذلك الرسول وهو هوريثما شاهدوا منه ما شاهدوه من العظائمِ الموجبةِ للإقبال عليه ولم يقتنعوا بالتو لي {وَقالواْ} في حقِّهِ {مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} أي قالوا تارة يعلمُه غلامٌ أعجميٌّ لبعض ثقيفٍ وأُخرى مجنونٌ، أو يقول بعضهم كذَا واخرونَ كَذا فَهلْ يتوقعُ من قوم هذه صفاتُهم أنْ يتأثرُوا بالعظة والتذكير، وما مثلُهم إلا كمثلِ الكلبِ إذَا جاعَ ضَغَا وإذا شبعَ طَغَى.
وقوله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُواْ العذاب قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} جوابٌ من جهتهِ تعالى عن قولهم {رَّبنا اكشفْ عنَّا العذابَ إنَّا مؤمنونَ} بطريق الالتفات لمزيد التوبيخ والتهديد وما بينهما اعتراضٌ أيْ إنا نكشفُ العذابَ المعهودَ عنكم كشفًا قليلًا أوزمانًا قليلًا إنكم تعودون إثرَ ذلك إلى ما كنتم عليه من العُتو والإصرارِ على الكفر وتنسَون هذه الحالَة. وصيغةُ الفاعلِ في الفعلين للدِلالة على تحقُّقهما لا محالةَ، ولقد وقعَ كلاهُما حيثُ كشَفهُ الله تعالى بدعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فمَا لبِثُوا أنْ عادُوا إلى ما كانوا عليهِ من العُتو والعِنادِ. ومَن فسر الدخانٍ بما هو من الأشراطِ قال إذَا جاء الدخانُ تضوّرَ المعذبونَ به من الكفارِ والمنافقينِ وغوَّثُوا وقالوا {ربَّنا اكشفْ عنَّا العذابَ إنَّا مؤمنونَ} فيكشفه الله تعالى عنهُم بعدَ أربعينَ يومًا وريثما يكشفُه عنهم يرتدونَ ولا يتمهلونَ.
{يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} يومَ القيامةِ وقيل: يومَ بدرٍ وهو ظرف لما دلَّ عليه قوله تعالى: {إِنَّا مُنتَقِمُونَ} لا لمنتقمون لأن إنَّ مانعةٌ من ذلكَ أي يومئذٍ ننتقمُ إنَّا منتقمون وقيلَ: هو بدل من {يومَ تأتِي} الخ وقرئ {نُبطش} أي نحملُ الملائكةَ على أن يبطشُوا بهم البطشةَ الكُبرى وهو التناول بعنفٍ وصَولةٍ أو نجعل البطشةَ الكُبرى باطشةً بهم وقرئ {نبطُش} بضمِّ الطاءِ وهي لغةٌ.
{ولقد فتنَّا قبلهم قومَ فرعونَ} أي امتحناهُم بإرسال مُوسى عليه السلامُ أو أوقعناهُم في الفتنةِ بالإمهالِ وتوسيعِ الرزقِ عليهم وقرئ بالتشديدِ، للمبالغة أو لكثرة القوم. أي امتحناهُم بإرسال مُوسى عليه السلامُ أو أوقعناهُم في الفتنةِ بالإمهالِ وتوسيعِ الرزقِ عليهم وقرئ بالتشديدِ، للمبالغة أو لكثرة القوم.
{وَجَاءهُمْ رسول كَرِيمٌ} على الله تعالى أو على المؤمنين أو في نفسه لأن الله تعالى لم يبعثْ نبيًا إلا منْ سَراةِ قومِه وكرامِهم.
{أَنْ أَدُّواْ إِلَىَّ عِبَادَ الله} أيْ بأنْ أدُّوا إليَّ بني إسرائيلَ وأرسلُوهم معي أو بأنْ أَدُّوا إليَّ يا عبادَ الله حقَّه من الإيمانِ وقبو ل الدَّعوةِ، وقيلَ: أنْ مفسرةٌ، لأن مجيءَ الرسول لا يكونُ إلا برسالةٍ ودعوةٍ، وقيل: مخففةٌ من الثقيلةِ أيْ جاءَهُم بأنَّ الشأنَ أدُّوا إلى إلخ.
وقوله تعالى: {إِنِّي لَكُمْ رسول أَمِينٌ} تعليلٌ للأمر أو لوجوب المأمورِ به أيْ رسول غيرُ ظَنِينٍ قد ائتمننى الله تعالى على وحيه وصدَّقنِي بالمعجزاتِ القاهرةِ.
{وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى الله} أي لا تتكبرُوا عليه تعالى بالاستهانة بوحيهِ وبرسوله وأنْ كالتي سلفتْ، وقوله تعالى: {إِنِّىِ ءَاتِيكُم} أي من جهته تعالى: {بسلطان مُّبِينٍ} تعليلٌ للنَّهي أيْ آتيكم بحجةٍ واضحةٍ لا سبيلَ إلى إنكارها واتيكم على صيغةِ الفاعلِ أو المضارعِ، وفي إيراد الأداءِ معَ الأمين، والسلطانِ مع العُلاَ منَ الجزالةِ مَا لا يَخْفى.
{وَإِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ} أي التجأتُ إليهِ وتوكلتُ عليهِ {أَن تَرْجُمُونِ} من أنْ ترجمُونِي أيْ تُؤذونِي ضربًا أوشتمًا أوأنْ تقتلوني، قيلَ لمَّا قال وأنْ لا تعلُوا على الله توعّدوه بالقتلِ. وقرئ بإدغامِ الذالِ في التَّاءِ.
{وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِى فاعتزلون} أي وإنْ كابرتُم مقتضَى العقلِ ولم تُؤمنوا لي فخلُّوني كَفافًا عليَّ ولا ليَ، ولا تتعرضُوا لي بشرَ ولا أذَى فليس ذلك جزاءَ من يدعُوكم إلى ما فيهِ فلاحُكم. وحملُه على مَعْنى فاقطعُوا أسبابَ الوصلةِ عنِّي فلا موالاةَ بيني وبينَ منْ لا يُؤمنُ يأباهُ المقامُ.
{فَدَعَا رَبَّهُ} بعدما تمُّوا على تكذيبهِ عليه السَّلامُ {إِنَّ هَؤُلاء} أي بأنَّ هؤلاءِ {قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} وهو تعريضٌ بالدُّعاءِ عليهم بذكرِ ما استوجبُوه بهِ ولذلك سُمِّيَ دعاءً وقرئ بالكسرِ على إضمارِ القول. قبيلَ كانَ دعاؤُه اللَّهم عجِّلْ لهُم ما يستحقونَهُ بإجرامِهم، وقيلَ: هو قوله: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ الظالمين} {فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلًا} بإضمارِ القول إِمَّا بعدَ الفاءِ أيْ فقال ربُّه: أسرِ بعبادِي وإما قبلَها كأنَّه قيلَ قال: إنْ كانَ الأمرُ كَما تقول فأسرِ بعبادِي أيْ ببنِي إسرائيلَ فقد دبَّر الله تعالى أنْ تتقدمُوا. وقرئ بوصلِ الهمزةِ منْ سَرَى.
{إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} أي يتبعُكم فرعونُ وجنودُه بعد ما علمُوا بخروجِكم.
{واترك البحر رَهوا} مفتوحًا ذا فجوةٍ واسعةٍ، أوساكنًا على هيئته بعدَ ما جاوزْتَه، ولا تضربْهُ بعصاكَ لينطبقَ ولا تغيِّرْهُ عن حالِه ليدخلَه القبطُ.
{إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} وقرئ أنَّهم بالفتحِ أيْ لأنهم {كَمْ تَرَكُواْ} أي كثيرًا تركوا بمصرَ {مّن جنات وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} محافلَ مزيّنة ومنازلَ محسَّنةٍ {وَنَعْمَةٍ} أي تنعمٍ {كَانُواْ فِيهَا فاكهين} متنعمينَ وقرئ فكِهينَ {كذلك} الكافُ في حيِّز النصب وذلك إشادة إلى مصدر فعل يدل عليه تركوا، أي مثل ذلك السلبِ سلبناهُم إيَّاها {وأورثناها قَوْمًا ءَآخرين} وقيلَ: مثلَ ذلكَ الآخراجِ أخرجناهُم منها، وقيلَ: في حيزِ الرفعِ على الخبريةِ أيِ الأمرُ كذلكَ فحينئذٍ يكونُ أورثناها معطوفًا على تركُوا وعلى الأولين على الفعلِ المقدرِ.